ما كانت آراء أبو الحسين البصري الكلامية ظاهرة للباحثين إلى سنوات قليلة، لأن أعماله ما كانت معروفة، باستثناء كتابه (المعتمد في أصول الفقه). أما الإشارات إلى آرائه في الأعمال المتأخرة فهي قليلة بل نادرة. أما الآن فإن بوسعنا التعرف على مقولات البصري الكلامية في الأقسام الباقية من كتاب محمود ابن الملاحمي (536ه/1141م) المسمى: المعتمد في أصول الدين، والمكتوب بعد مائة عام على وفاة الشيخ أبي الحسين. فالملاحمي لا يذكر فقط آراء البصري باستفاضة واستدلالات، بل يذكر أيضا في مطلع كتابه أنه إنما يقصد إلى تلخيص آراء أبي الحسين وشرحها كما وردت في كتاب (تصفح الأدلة) له، وهو الكتاب الذي تتبع فيه آراء المعتزلة بالمراجعة والنقد. ويبدو بوضوح من شروح ابن الملاحمي أن الدليل على وجود الله باعتباره فاعلا مختارة، وخالقة للعالم المحدث، كان أحد همومه الكبرى، وقاده إلى تجديد الأطروحة، وإلى الاختلاف مع التعاليم المستقرة للمدرسة المعتزلية في هذه المسألة. وهذا الأمر ظاهر من اكتشاف قسم من رسالة لليهودي القرائي يوسف البصیر(ت. حوالي 431ه/ 1040م) وهو معاصر لأبي الحسين البصري، ينتقد فيها ابتداعات البصري في الأدلة على وجود الله، مدافعا عن مذاهب أبي هاشم الجبائي وتلميذه القاضي عبد الجبار في هذا الشأن. ويكون علينا أن نلاحظ هنا أن مقالة أبي الحسين البصري رغم معارضة يوسف البصير الها- ما لبثت أن سادت بین لاهوتيي القرائين في مصر.