تعد معالجة الأرصدة الوثائقية في المكتبات من أهم مقومات تأسيس الهوية والمواطنة الرقميتين والمحليتين وتطويرهما، أما معالجة الوثائق التراثية فهى ترسخ وتأصل لها. فالتراث المكتوب يختزل الذكاء الجماعي المتراكم عبر العصور، فيتكون ويصاغ حسب الظروف المحلية والخصوصيات الحضارية للبلاد المنتجه له. وبحكم التطور التكنواوجي المطرد والعميق للبيئة الرقمية، أصبحت الهوية والمواطنة الرقميتان المرتكزتان على التراث المكتوب الرقمي نتاجا إنسانيا ملموسا وبديهيا. وقد تطور ونضج ليصبح منهجا حياتيا ورؤية استراتيجية. وعليه، كان دافعنا في دراسة حالة للمنصة الرقمية التابعة لدار الكتب الوطنية بتونس بكونها تتيح أرصدة وثائقية ورقمية، تحاول أن تساهم في خلق أواصر الهوية والمواطنة الرقميتين المحليتين وتمتينهما، وأن تتخذ القرارات المناسبة لتدعيمهما وترسيخهما. ولقد سعت هذه الدراسة إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمها : استقراء دور المكتبات في تطوير الهوية والمواطنة المحليتين والرقميتين وترسيخهما، وتحليل وتقييم الطرق التي تتبعها المكتبات في خلق وتمتين أواصر التعايش والتفاعل والتعبير المقنن والبناء بين المواطنين. معرفة دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة التراث المكتوب، واستنباط وتقييم العلاقة التاي تربط هذه التطبيقات بالهوية والمواطنة الرقميتين.
ولتحقيق أهداف البحث اعتمد المنهج المختلط الذي كان فعالا في القياس الكمي لأهداف الدراسة والتوصيف الكيفي لتفاصيلها. ولقد توصل هذا البحث إلى نتائج عدة، من أهمها : إن المجهودات والانجازات التي قامت بها دار الكتب الوطنية بتونس في سبيل دعم وترسيخ الهوية والمواطنة المحليتين والرقميتين، تعد ذات قيمة مبشرة باستراتيجية بناءة وخلاقة، إذ استعانت بالذكاء الاصطناعي"ذو الثقة" وجعلت منه خيارا جديدا يسعى إلى التطوير الشامل والمتنوع، ويقدم حلولا واقتراحات علمية. ولقد أوصت الدراسة بالعمل على الاستفادة من نتائجها في تطوير خطة بحثية تتمحور أسسها لخلق استراتيجية وطنية عامة، تجسد معالمها تحت اشراف دار الكتب الوطنية لتحقيق الرهانات الواعدة.