تحتاج المسیحیة في البلاد العربیة إلى مقاربات تتناول مسارها التاریخي الدّیني، تُرْصَدُ من خلاله التحوّلات العقدیّة واللاّهوتیة، والأطر الاجتماعیة والسیاسیة التي ألمت بها واحتضنتها. لأجل بلوغ مستخلصات الوعي بهذه التجربة، الرّوحیة-التصوّریة- الاجتماعیة، وتبیّن تفاعلاتها مع الأحداث السیاسیة والتبدّلات الحضاریة التي شقّت المنطقة، في تاریخها القدیم والحدیث. ولا نزعم أن هذه الدّراسة ستكون قادرة على الإلمام بتلك الخلاصة في متشابك تداخلاتها، بل ستحاول الوقوف عند أهم المفاصل التاریخیة دون تطرّق مغرق في تفاصیلها، علّها تكون إسهاماً أوّلیا في دفع مقارباتٍ مِنْ ذلك النّوع، تروم مراجعة تراث المنطقة الدّیني، من خلال وعي داخلي باجتماعیاتها وإناستها، باتجاه تطلّع لصیاغة تأویل وتفسیر للحدث، تُطْرَحُ فیه الأسئلة وتصاغ له الأجوبة داخل معطیات الواقعیة التاریخیة، لا عبر ما تم شیوعه جرّاء إمبریالیة المفاهیم الغربیة المهیمنة في تاریخ الأدیان.