ما الأثر الذي تركه الظهور الأوروبي على الملاحة الآسيوية وعلى تجارة المسلمين؟ هناك خلاف قديم في الإجابات على هذا السؤال، هناك من ذهب إلى أن ظهور البرتغاليين عني بداية للهيمنة الأوروبية. إنما هناك من يقول أيضا: إن السطوة البرتغالية كانت ذات أثر محدود باستثناء الاتجاه إلى الكاثوليكية، وإن كانت الانطباعات حولهم سيئة جدا؛ لكن حجم التجارة الآسيوية - رغم توجيه سفنهم إلى رأس الرجاء الصالح - بقي أكبر من تجارتهم بما لا يقاس. أما أوروبيو الشمال فقد كان أثرهم أكبر من أثر البرتغاليين ولا شك على أن نبیلز ستينيس غارد يذهب إلى أن الهولنديين والإنجليز شجعوا التجارة الآسيوية، والحادثة المهمة في هذا الصدد تعاون الإنجليز مع الصفويين على طرد البرتغاليين من جزيرة هرمز في بداية القرن السابع عشر؛ لكن هذا الميناء ما استعاد بعد ذلك مكانته بوصفه حلقة وصل للتجارة بين الهند والخليج، وقد انتقل الزخم في البداية إلى بندر عباس ثم إلى مسقط في عمان. إنما الحاسم في الأمر ما كان القوة العسكرية لأوروبيي الشمال بل دقة تنظيم شركاتهم بخلاف الشركات البرتغالية وكانت الحكومات تدعم الشركات أكثر من دعم البرتغاليين لشركاتهم. وهذا فضلا عن دمج هؤلاء للرسوم بأسعار السلع بحيث أمكن لهم تحقيق أرباح أكبر مع زيادة حجم التجارة، ثم إنهم أقنعوا التجار الآسيويين بالتحول من العراق البرية عبر سورية وإيران إلى الطريق البحري الآمن عبر رأس الرجاء الصالح. ولذلك فإن ستينيس غارد يتحدث عن ثورة في التجارة الآسيوية، وقد اعتمد في استنتاجاته هذه على وثائق وكتابات باللغات الآسيوية، كما اعتمد بروس ماسترز فيما بعد بالنسبة للتجارة الحلبية، ويرى ماسترز أن الثورة التي تحدث عنها غارد ما حدثت مفاجأة؛ بل بالتدريج منذ أوائل القرن السابع عشر حين أدخل الأوروبيون السفن التجارية، ثم السكك الحديدية في آسيا، وتصاعدت أهمية التجارة الحلبية بناء على هذه المتغيرات فيما بين 1620 و1750م. وفي ذلك الوقت ما كانت تجارة التوابل قد صارت بحرية، بل وتجارة الحرير أيضا. وقد بقي هذا الازدهار ملحوظا حتى القرن التاسع عشر رغم الاضطرابات السياسية في إيران.