يشكل التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي منبعا للأصالةومرآة لتخليد وتمجيد تاريخ الإنسانية وكل ما يتعلق بالهوية لتشكيل نسق متكامل من ثقافة المجتمع، ولأن الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي هو حماية الهويات الثقافية، والتنوع الثقافي البشري، فنحاول في هذا البحث الاهتمام بأحد أقسام التراث الثقافي غير المادي وهو التراث الثقافي الفني بعامة والغنائي بوجه خاص، كونه يمثل أحد أهم رموز ثقافة المجتمعات . ويكشف عن مدى التناغم الكبير بين الموسيقى والأنشطة الحياتية ، فالموسيقى تعبر عن ملامح وخصائص المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لأنها رمز الهوية ولغةالشعب. فالهوية الثقافية هى مفتاح الحفاظ على المجتمع وتطوراته المعاصرة، ومن ناحية أخرى يلعب توثيق الهوية في البيئة الرقمية دورا مهما في تعزيز الوجود الرقمي للفرد، مما يساعد على بناء صورة رقمية موثوقة في الهوية المجتمعية.
ونتناول في بحثنا توثيق هوية أحد رواد الفن المصري وهو سيد درويش، المؤسس الحقيقي للموسيقى القومية المصرية، والمعبر عنها بصورة مختلفة، فكان لزاما علينا التعرف على حياته الشخصية، والكشف عن إبداعاته الفنية ودورها في تطور الموسيقى العربية، وإعادة إحيائها وتوثيقها توثيقاً علميا ليكفل حمايتها بصورة من الإندثار والسرقة، معتمدا في ذلك على المعايير الدولية لحفظ الهوية الإنسانية والشخصيات الإعتبارية، والموصفات القياسية المناسبة لتحديد هوية العمل الفنى النصي وضمان دقتة وإستدامة توثيقة، مستخدما في ذلك المنهج الوصفي التحليلي النوعي المعتمد على الوصف والتفسير للمفاهيم المتعلقة بموضوع البحث، والملاحظة والتحليل لمحتوى الوثائق والنصوص التاريخية لجمع البيانات اللازمة لتوثيق الهوية ودراسة تأثير العوامل الثقافية والاجتماعية على طبيعة توثيق الهوية الثقافية الفنية المدروسة، وكيفية ارتباطها بالهوية الرقمية، مما أسفر عن ذلك مجموعة من النتائج أهمها : دور المعايير الدولية في صون الكيانات الاعتبارية وتوثيق الهوية الثقافية التراثية، حفظ الذاكرة الموسيقية المتمثلة في المؤلفات الغنائية والأعمال الإبداعية بشكل رقمي مما يسهل الوصول إليها، وبناءا على ذلك أوصت الباحثة بمجموعة من التوصيات أهمها : زيادة الوعي بالتراث الثقافي الفني وعناصره، استخدام التوصيف الرقمي لحفظ وحماية وإتاحة الموسيقى التراثية ، تطبيق أبرز التقنيات الذكية والبرامج الآلية التي يمكن استخدامها في توثيق الهوية الثقافية وإحيائها، وبالتالي يمكن أن تسهم التقنيات الرقمية في توثيق الهوية الثقافية وتعزيز المواطنة وإثراء الذاكرة المجتمعية الثقافية.