إن أبعد نقطة عن سكان المغرب الأقصى جهة الشرق هي یابسة إمبراطوریة الصین، وهي واحدة من المسافات الأكثر بعدا في العالم، مع ما یكتنف هذا البعد –وقتئذٍ- لمن أراد أن یقصد هذه الآفاق من اضطرابات ومخاوف ومخاطر برا وبحرا. ورغم الصعوبات والتحدیات التي تفاوتت حدتها باختلاف أزمنة التنقل والسفر، فإن الإنسان العربي المسلم استطاع أن یتواصل مع الأمم المختلفة باختلاف أزمنة الرحلات –لونا وشكلا ودینا ولسانا– في تجسید نموذجي لقیم التسامح والانفتاح والتجاور مع الآخر وتحقیق كامل للبعد الإنساني والتواصلي للحضارة العربیة الإسلامیة ﴿وَمِنْ آیَاتِهِ خَلْقُ السَّمَ اوَاتِ وَالأَرْض وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وألوانكم، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآیات لِلْعَالَمِینَ﴾( 1) وقال-تعالى-: ﴿یَا أیُّهَا الناسُ إنَّاخَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾( 2). ومصطلح "التعارف" حسب المفهوم القرآني یرمز إلى الدلالة الواسعة والحاملة لقیم كونیة متعددة تتحقق بواسطتها منافع ومكاسب تشترك فیها الأجناس البشریة "یا أیها الناس".