إن ترسیخ تصور أصیل لمجال العمران والإسكان یقتضي منا تحدید موضوعه ومنهجه ومصطلحاته مع إبراز أهدافه ووسائله، والقصد من هذا العرض هو محاولة تأسیس تصور إسلامي لقضایا العمران والإسكان، وهذا الموضوع یتناول عمل المعماري في البیئة والذي تتكامل فیه جوانب هامة ومتعددة باعتباره رجل ثقافة عامة ورجل فن مرشحا لتلبیة متطلبات المجتمع وصیاغة الأجوبة المناسبة لحاجیاته، إنه صاحب رؤیة ومبدع مشروع حضاري، وإذا كان الإنسان یشكل القضیة الأساس لدى الفیلسوف، فإن المعماري یضع إطار حیاة هذا الإنسان انطلاقاً من معرفته وقدراته، وإذا كان المؤلف یبرز رؤیته
للمجتمع فإن المعماري یؤلف بطریقته عمارة حاملة لفلسفة حیاة: ما یسطره قلمه یحمل تصوراً لكونه یبدع العمارة ویصوغها حسب رؤیته، ومن ثم، فمن حقنا أن نتساءل عن معماریي الیوم في بلاد المسلمین:
- من أین یستلهم أفكاره وتصوراته؟ هل من المعلم ابن الرامي أو التطیلي، أم من لودووكروبیوس ولكوربوزیه؟
- وما هو دور المعماري في أوضاع بلاد المسلمین الحالیة، وما هي رسالته؟
- وما الذي یمكن أن یقدمه هذا المعماري في معالجة تلك الأوضاع على وجه الخصوص وما هي خصائص مهنته؟
یمكن الجزم دون تردد أن غالبیة المعماریین في البلاد العربیة والإسلامیة لا یعرفونالمعلم محمد ابن الرامي التونسي ولا عیسى بن موسى التطیلي الأندلسي ولا من أبدعقبلهما من أمثال الهیاج بن مالك مخطط الكوفة، في حین أن أمثال المعماریین الغربیینالمذكورین أعلاه غیر مجهولین لدیهم، وهذا باعث آخر للتساؤل:
- ما هو وقع هذه الظاهرة الفكریة على مهنة العمارة وإنشائها في بلادنا؟
- وهل بإمكان أدوات التحلیل والإنشاء المستعملة حالیاً أن تسهم في ترسیخ نموذج مرجعي لبناء مدینة الغد بناءً یبرز هویتها في إطار مسایر لعالمنا وعصرنا؟
- وأي مشروع اجتماعي نرید ولأي فضاء معماري نخطط؟