فإن إحیاء التراث وتحقیقه ضرورة علمیة قومیّة إنسانیّة لكلّ أُمةٍ تقدر ما هو قمین منه بالتقدیر والنفع، وتحاول أن تفید منه في الحاضر والمستقبل. إن الاهتمام به "لیس تاریخیاً ماضویاً بقدر ما هو عمل حیاتي مستقبليّ...، والأمر لا یمكن أن یبقى، كما هو الآن (تقریباً)، في حدود الوفاء النظري له والإشادة العاطفیّة به...، وإنما هو كذلك، أو قبل ذلك، في الانتفاع به، والوفاء لأنفسنا من خلاله...، إنه لیس زینة، ولكنه سلاح...، ولیس تباهیاً وإدلالاً، ولكنه قبل ذلك نوع من الإعداد، ولون من كسب الثقة بالنفس أنستطیع أن نفهم دون كل هذا، الفكر العربي والحضارة الإسلامیة؟ أو نعید قراءة التراث نفسه ونحاوره حواراً معمقا یفضي إلى ما یستحق القبول والرفض والتجدید والعرض عرضاً معاصراً أوَلم یصل الآخر الغربي الآن، الذي نتكئ علیه كثیراً ونلهو بنظریاته ومفاهیمه مفصولة عن سیاقاتها ومناخاتها وهویة أصحابها، حدیثه بقدیمه بتحقیق الآثار الیونانیة والرومانیة قبل أن ینقل المستشرقون عنه "صناعة" التحقیق إلى تراثنا ویتعهدوها قبلنا، وبإحیاء نقاده الكلاسیّة القدیمة في الأدب والنقد، وبعثهم تراث "أرسطو" وتطویره وتجدیده والإفادة منه كثیراً، في حین عمّق الأكثرون منّا القطیعة المعرفیة مع موروثنا وأهملوه بدعوى "العصرنة" من حداثة وما بعدها دون فهم حقیقي لهما سوى عدوى اللحاق بالآخر وتبعیته؟!