كلما أوغل عصرنا الراهن في الشدة والضيق، وكلما ازداد جنوحا صوب عيادة المادة والسعة تكاثر الشعراء بخاصة ، والعاملون في فسحة الكتابة عامة ، كما ازداد عدد الباحثين عن ماهياتهم في مضمار الدين والفكر والفن، أي في المساحات اللامادية على مختلف أشكالها وألوانها . وهذا يعني أنه كلما تفاقم الجشع الاقتصادي، واستفحل نازع الاستهلاك اشتد النشاط الروحي وازداد رسوخه وزخمه، حتى لكانه نقض ينتصب لمواجه نقيضه، أو قل إن الدفاع يتوطد ويتصلب كلما أمعن الهجوم في شراسته وعنفوانه، ويبدو ان الحياة تصر على اقامة ضرب من التوازن بين
الأضداد في داخل جسمها الحي، وهذا ما يفسر لك سر انتشار الصوفية في العالم الاسلامي القديم، إذ كانت تزداد انتشارا كلما ازدادت التجارة انتشارا في الشرق والغرب، فما من ربيب في أن الصوفية
جهد تیتله الروح المبشرية كي تشكم المادية حين تستفحل ، وكي تحول بينها وبين الهيتة - على
المساحة المخصصة لحرية الروح. والسؤال الجوهري الآن هو: لماذا كان الشعر هو الفعل الكتابي
الأغزر حضورا من أي صنف كقایی آخر في مضمار التصدي لعرام المادية واستفحالها خلال الثلث
الثالث من القرن العشرين؟