ثَّرت ظاهرة الاقتصاد الرقمي في طريقة ممارسة الشركاتلنشاطها التجاري؛ فلم تَعُد الشركات متعدِّ دةأ
الجنسيات ملزمة ً بوجودها فعليًا في دولة ما حتى تتمكن من تقديم خدماتها لعملائها القاطنين فيها. وقد
أثَّر ذلك تأثيرً ا جوهريًّا في إيرادات الدول من الضرائب، وخاصَّ ة ً الدول التي تعتمد اعتمادًا كبيرً ا على
ضرائب الشركات؛ حيث ُ يعتمد فرض ضريبة دخل الشركات، بصفة عامة، على فرض الضريبة على
الربح الذي نتج عن ممارسة التجارة والأعمال داخل الدولة، إلا َّ أن َّ قدرة الشركات على ممارسة التجارة
عن بُعد صعَّبت تحديد الربح المتَّصل بممارسة التجارة في دولة ما. كما أثَّرت هذه الظاهرةعلى القواعد
التقليدية الخاصة بالمنشأة الدائمة والرابطة، وقواعد منع الممارسات الضريبيَّة الضارَّ ة؛ فبهذا سهَّ لت
التكنولوجيا التجنُّب الضريبي ِّ من خلال تحويل أرباح الشركات إلى دول منخفضة الضرائب أو معدومة
الضرائب.وبسبب طبيعة هذه التحدِّ يات التي سهلتها ظاهرة الرقمنة العابرة لحدود الدول، حاولت
الدول التنسيق فيما بينها على مستوى ً دولي بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة
العشرين، وقد سُ مِّ ي َ هذا المشروع بـ"Base Erosion and Profit Shifting" أو اختصارً ا "BEPS" الذي
يمكن ترجمته لـ (مشروع "تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح)" ونتج عن هذا التعاون خطَّة عمل
تتكوَّ ن من15إجراء ً لسد ِّ الثغرات في القانون الضريبي الدولي، والحد ِّ من تهرب الشركات من دفع
الضريبة وتجنُّبها.وقد ركَّز الإجراء الأوَّ ل على معالجة التحدِّ يات الضريبيَّة للاقتصاد الرقمي، ولمعالجة
هذا التحدِّ ي تحديدً ا اتَّفقت137دولة ً في نهاية2021على أن يبلغ معدَّ ل ضريبة الشركات15٪ كحد
أدنى، ولا يترتَّب على هذا الاتفاق أن تتغيَّر القوانين الضريبيَّة الوطنيَّة تلقائيًّا، فيجب أن تغيِّر الدول
قوانينها وفقا للقواعد الدستورية بما يتوافق مع هذا الاتفاق، كما يؤثِّر هذا المعدَّ ل المقترح على الحوافز
الضريبيَّة الممنوحة للشركات. وتناقش هذه الورقة العلمية هذا التطوُّ ر الفريد في قواعد القانون الضريبي
الدولي وأثرها على القوانين الضريبية الوطنية