إبان العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين للميلاد، أدت الفيزياء الذرية وما تحت الذرية إلى ظهور قراءة تفكيكية / جذرية في العديد من المفاهيم والأفكار الأساسية عن الواقع، الأمر الذي أحدث تغييرا عميقا في نظرتنا إلى العالم: من نظرة ديكارت (Descartes) ونيوتن (Newton) المطبوعة بنظرة کلانية / آلاتية، إلى «نظرة شمولية»، تبين أنها شديدة التساوق مع نظرات الحكماء والصوفيين من العصور والمنقولات كافة. بيد أن قبول الفيزيائيين «للنظرة الجديدة، إلى الواقع في بداية القرن العشرين، لم يكن سهلا من أي وجه، فقد وضعهم استكشاف العالم الذري وما تحت الذري على تماس مع «واقع غريب وغير متوقع» في أبحاثهم المتواصلة بغية التمكن من هذا الواقع الجديد» - أدرك العلماء متأملين بأن مفاهيمهم الأساسية ولغتهم وطريقتهم في التفكير برمتها لم تعد صالحة لتوصيف الظواهر الذرية لم تكن مشكلاتهم فكرية وحسب؛ بل هي بمثابة أزمة روحانية شديدة الخطورة، بل وجودية عميقة للغاية، لكنهم في النهاية «كوفئوا بتبصرات عميقة في طبيعة المادة وفي علاقتها بالعقل البشري. وتتجلى هذه الأزمة وهي في عمق بنائها أزمة علوم (Crisis of Sciences) حسب هوسرل في «إقصائها، للمساءلات الأساسية والحاسمة بالنسبة للوجود البشري كله، تلك المساءلات التي تتعلق بمعنى الوجود البشري أو لا معناه أي تلك التي تتعلق بالعقل واللاعقل»، والتي هي مرتبطة بسلوك الإنسان إزاء المحيط البشري وغير البشري، وبحريته في أن يشكل محيطه بحسب معايير العقل. (4 :1976 . Husserl, E)