العمارة: هي فن إنشاء الأبنیة من أجل استعمال الإنسان. ولذلك یفترض أن تحقق هذه الأبنیة المتطلبات المعیشیة، والمشاعر الروحیة لهذا الإنسان، وألا تتناقض مع البیئة التي یعیش فیها، وأن تعكس التراث الحضاري لهذا الإنسان، والثقافة التي ینتمي إلیها. ولذا فإنَّ لعمارة كُلّ أمة ممیزات خاصة بها، تتأثر بحضارتها ومعتقداتها والبیئة التي تعیش فیها، وهكذا كانت العمارة الإسلامیة على مدى العصور التي أنشئت فیها، في مختلف البیئاتوالأزمان. وتَمّیز العمارة الإسلامیة في القدس یفوق غیرها من المدن الإسلامیة؛ لأنَّها شملت جمیع.( العهود الإسلامیة منذ الأمویین ثم العباسیین والفاطمیین والأیوبیین والعثمانیین( 1 وإذا قارنا بین القدس وغیرها من المدن الإسلامیة التاریخیة نجد أن القاهرة مثلا تمثل العمارة الفاطمیة، وبغداد تمثل العمارة العباسیة، ودمشق تمثل العمارة الأمویة، واسطنبول تمثل العمارة العثمانیة، بینما تمثل القدس كل هذه العمارة في وقت واحد، ولذلك فهي بحق مدینة الحضارة الإسلامیة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان مدینة القدس القدیمة ضمن الأسوار التاریخیة مدینة أثریة حیة یعیش أهلها الفلسطینیون داخل آثارها، وهي متحف إسلامي مسكون، ولیست كآثار بعض المدن الأخرى التي فصلت عن حیاة الناس. وإذا كانت إعمار الناس تحسب بالسنین ثم تطوى ذكراهم بانتهاء إعمارهم، فكذلك الأمم والبلدان تبقى حیة طالما بقیت حضارتها، تندثر إذا اندثر بنیانها، وقد سجل التاریخ بلدانا سادت حقبة من الزمن، بما كان لها من أمجاد، ثم انزوت في ثنایا التاریخ، عاجزة عن منح البشریة مثل ما كان في مقدورها إبان عنفوانها. والقدس أراد الله لها البقاء رغم تعرضها للاعتداءات والنكبات، ورغم مصارعتها للأحداث الجسام. وما ذلك بغریب، فقد قوت عزیمتها وربطتها مع مكة المكرمة توأمة قرآنیة، أو بالأحرى رباط بین المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك في قوله تعالى:﴿سبحان الذي أسرى بعبده لیلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله
لنریه من آیاتنا انه هو السمیع البصیر﴾.