تعتبر البیئة التي شهدت ختم النبوة ذات دلالة هامة حول علاقة الرسالة بالواقع والسیاق الجغرافي والتاریخي الذي بدأت فیه، كما أن معرفتها مهمة في فهم طبیعة الرسالة الخاتمة وخصائصها، والإلمام بهذه البیئة یكتنفه الكثیر من الصعوبات والغموض لاسیما فیمایخص الواقع الدیني الذي كان سائداً آنذاك، إذ إن المراجع التاریخیة حول هذه المرحلة وفي الجانب الدیني بالخصوص قلیلة جداً، وما وجد منها لا یفید في الموضوع إلا إشارات ودلالات عامة لا تفسر العقلیة والتفكیر الدیني الذي كان سائداً بخلاف مناطق ومراحل تاریخیة أخرى حیث توجد حولها نصوص ونقوش مفصلة أحیاناً، وهذا ما عانى منه مختلف المؤرخین الذین اشتغلوا في الموضوعأما النص القرآني فأسلوبه بشكل عام یبتعد عن التفصیل في المواضیع التاریخیة فیأتي بذكرها لتحقیق هدف خاص هو العبرة والنقد والتوجیه نحو المستقبل واكتشاف السنة الإلهیة، لذلك فهو غیر صریح في الدلالة على ما كان سائداً، لكن ما ورد فیه من نقد متواتر لما كان سائداً من عادات وتقالید وأفكار یمكن أن یكون مرجعاً غیر مباشر لاكتشاف تلك البیئة المثیرة، وهذا ما سنتتبعه في هذه المقاربة مستأنسین ببعض ما ورد في الدراسات التاریخیة المتخصصة في تلك المرحلة، وقد لوحظ أن القرآن یقدم الدین الجاهلي بصورة تختلف تماماً عما تقدمه كتب التاریخ والأدب، لاسیما وأن تلك المصادر سعت إلى تقلیل شأن عصر النبي –صلى الله علیه وسلم- وبیئته قبل البعثة من الناحیة المادیة والأدبیة والمدارك العقلیة حیث تصفها بصفات الجهل والانحطاط والغلظة..، وهي نظرة تخالف ما تلهمه نصوص القرآن عن تلك الفترة