تعد الحجاجية الفلسفية بواسطة منطق اللغة لدى بول ريكور Riceur غير كافية بذاتها الإثبات موضوعات الهرمينوطيقا (فلسفة التأويل)؛ لأنها غير قادرة على الإقناع بشكل عميق، فالحجج التي تقدمها اللغة لتسويغ مقولات الخطاب الفلسفي وتبريره تنتهي عند حدود الكتابة نفسها ورتابة الكلمات وقصدية المعاني، وهو ما يؤدي إلى انغلاق الفلسفة على نفسها وتكرار الخطاب بشكل سلبي لا يقوم على تجديد المعاني وفتح الأسئلة. فلا يقوى- حينئذ، على الاستمرار والتواصل مع موضوعاته وإشكالياته.
ولهذه الأسباب تلجأ الفلسفة إلى ما يشكل خارجا بالنسبة لها في خطابات مجاورة، كالفن، الدين، السياسة، الأدب...إلخ، تبني معها حوارا وتستعير منها المفاهيم والمصطلحات والنماذج المنهجية، بهدف تكوين جهاز دفاعي للخطاب الفلسفي، وقاعدة حجاجية لعرض الأطروحات والنظريات. لقد جعل ريكور من اشتغال الهرمينوطيقا على حدودها مع الخطابات غير الفلسفية مهمة أساسية للتأويل الفلسفي، واعتبر أن قطع الفلسفة لصلاتها مع الخطابات والعلوم المختلفة هو موت حقيقي لها، أما بالنسبة للهرمينوطيقا بالخصوص؛ فإن مصدرها التيولوجي يبقى شرطا قائما ومحايثا لطبيعة عملها. غير أن الفرق المتضمن في الانتقال من تأويل تيولوجي إلى تأويل فلسفي هو أن التأويل الفلسفي إذ يستند إلى التيولوجيا فهو يعيد إدراج طابعها المتعالي ضمن صيرورة تاريخية في الصيغة الريكورية: " الخطاب كواقعة" ، حيث يتم وصل المعنى الديني المبني على إيمان خالص بالتجربة الدينية المبنية على المشاركة الاجتماعية الفعالة، وممارسة المعنی الديني كدليل للفعل وخطة للعمل وتوجيه نحو قيم مخصوصة.