يلاحظ أن تطور البداوة في شبه الجزيرة العربية أفرز مجتمعا قبلية حضرية قائدة هو المجتمع المكي بقيادة قريش، ثم أدى الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة ومسالكها الرابطة بين المحيط الهندي عبر بحر العرب من جهة، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط عبر بلاد الشام من جهة ثانية بالإضافة إلى علاقاتها التقليدية مع شرق إفريقيا إلى بلورة دور قريش في التجارة العالمية، واحتاج هذا الدور إلى تنظيم سياسي تمثل في الأحلاف، وفي إبرام العهود (الإيلاف) تأمينا للمسالك التي تحتاجها التجارة البعيدة المدى، فكانت (دار الندوة) مركز القيادة الجديدة، وهي قيادة سياسية واقتصادية اكتسبت مع الزمن بعدا جديدا ذا خطورة بالغة عصرئذ، وأعني به البعد الديني.
ليس من المبالغة القول في هذا الصدد: إن الاقتصاد قد أسهم في أن تقطع البداوة العربية خطوة نوعية تمثلت في الأحلاف، وفي قبول سلطة جديدة لا تقوم على أساس قبلي بحت، بل تستمد شرعيتها من مبدأ التشاور، والمحافظة على التوازنات عبر إبرام العهود، وأضاف إليها العامل الديني قوة وإشعاعا، وهنا يبرز نجاح قريش في تزعم المرحلة الجديدة من مراحل تطور مجتمع البداوة في شبه الجزيرة العربية، فقد التحمت في المجتمع القرشي بمكة القبلية بالسلطة والاقتصاد.