تأتي اللحظة التاریخیة للصحیفة أو ل (وثیقة المدینة) في سیاق متماسك، یبلغ حد النسق أو الاتساق الكامل، وهي من اللحظات المؤسسة للعلاقة مع الآخر المختلف دینا، والتي یمكن اطراد القیاس علیها كلما أتیح لبني الإنسان أن یقیموا بینهم علاقات سویة، لا قسر فیها ولا اعتناف ولا استلاب ولا نهاب. ولأن هذه اللحظات المؤسسة " قد بزغت إبان النشأة الأولى للمجتمع الإسلامي في التاریخ فهي منه بمثابة الأركان التي یرفع علیها الوجدان، وهي خیر دلیل – في براءتها الأولى إذا صح التعبیر – على انفتاح الكینونة الإسلامیة الولیدة على مطلق الإنسان دون أدنى تحفظ، وعلى التماسها عناصر وحدة البشریة التي خلقها الواحد الأحد -جل جلاله- من نفس واحدة، ثم جعلها شعوبا وقبائل لتتعارف، وتتنافس في الخیر، وفي تحقیق الكمال الأخلاقي"
وحتى لا نصادر على مطلوبنا من هذا البحث، فنؤكد ابتداء اشتمال هذه اللحظات المؤسسة، لأول النظر ولمستأنفه على حد سواء، على القانون الإنساني الأعلى للعلاقة مع الآخر أیا كان وأینما وجد، فإننا سنقف مع أربع منها نتخذها أنموذجات مضیئة للحظة "الصحیفة" بوجه خاص، ولموقف الإسلام البدئي من الآخر المختلف دینا، ولا سیما أهل الكتاب، بوجه عام. وهذه اللحظات المؤسسة الأربع هي على التوالي:
أولا: لحظة الهجرة الأولى إلى الحبشة أو لحظة النجاشي.
ثانیا: لحظة وفد نجران.
ثالثا: لحظة فتح مكة وإزالة الصور والأوثان من الكعبة.
رابعا: لحظة فتح القدس والعهدة العمریة.