جولة بجولة، هكذا تبدو العلاقة بین المؤمنین وغیر المؤمنین، حتى لا نقول بین الدین في المطلق وبین خصومه الذین یرون فیه هرطقة وعائقا معرفیا وعملیا لا یزال یحول دون القطع مع العقلیة الأسطوریة. مرة ترتفع الأصوات عالیة قویة ناقدة للمعتقدات الدینیة، مبرزة ما یبدو فیها من تعارض مع العلم والتقدم الاجتماعي، مبشرة بنهایة المقدس وانتصار العقل على (الأوهام والخرافات). ولا تكاد تمضي دورة من الزمن حتى تخترق الحواجز والحجب موجة قویة من التدین الملتهب بالعواطف الجیاشة، فتتغیر التوقعات، وتتبدل الأحلام والمطالب، وینقلب المشهد العام رأسا على عقب، فتتهاوى من جراء ذلك رهانات المرحلة السابقة، ویتخذ الرأي العام منعرجات مغایرة، في انتظار انقلاب جدید في الاتجاه المعاكس. المتأمل في هذه الحركیة المتعاكسة الأبعاد، یلاحظ أن كلا الخصمین یستمد قوته في كل مرة یستعید فیها موقعه من أخطاء الطرف الآخر وإخفاقاته، وانفضاض الجماهیر من حول خصمه بعد تجارب مریرة ووعود كاذبة قدمها من تزعم الحدیث باسم هذا الطرف أو ذاك. فالتاریخ إن كان شاهدا على ما حققه هؤلاء وأولئك من إنجازات ومكاسب سواء لصالح شعوبهم أو الإنسانیة قاطبة، إلا أن سجلهما یبقى حافلا أیضا بما تسببوا فیه من أزمات وما أحدثوه من جرائم ومظالم ارتكبها على السواء من احتكروا الكلام باسم الحقیقة
العلمیة تارة والحداثة السرمدیة تارة أخرى، أو أولئك الذین نصبوا أنفسهم أوصیاء على الخلق نیابة عن الخالق.