إن المتمكن من المرجعية الإسلامية يدرك أن الإسلام ينظر إلى الحرية كثابت عقدي وكسلوك أخلاقي، يتضمن موقفا حدية بين حقوق وواجبات الذات وبين حقوق وواجبات الغير؛ وبذلك فإن الإسلام استطاع أن يضمن التوازن بين المصلحة العامة وبين حقوق الفرد، بإقرار مبدأ العدالة وتقرير الجزاء على قدر المسؤولية والتكليف. وعليه تتصف الحرية في الإسلام بأنها ځلق وليست غريزة، بمعنى أن الحرية لا يمكن أن تكون أمر فطرية وراثية، إنما هي ځلق مكتسب، يتعزز باستخدام العقل، واتخاذ القرارات الشخصية وفق اختيارات ذاتية من دون أي ضغط خارجي أو إيحاء من الغير، إلا ما يتضمنه ضمير الشخص ووجدانه. وفي إطار التكليف الإلهي الذي يفضله الشرع تعد الحرية الذاتية هي الأساس الأول للحرية التي نادى بها الإسلام وأقرها. من وجهة نظر الإسلام لا تعني الحرية أن يفعل الإنسان ما يشاء ويترك ما يشاء؛ فذلك لا يتفق مع طبيعة شهوته ولا مع طبائع الوجود التي ركب عليها؛ ولكنها تعني أن يفعل الإنسان ما يعتقد بأنه مكلف به وما فيه الخير لصالح البشر أجمعين، وإيمان الإنسان بأنه مكلف هو أول خطوة في حريته؛ لأنها أول تحمل للمسؤولية التي ستناط به.