مشروع الدقم: مشروع اقتصادي أم قطب تنموي؟ في إطار سياسة تنويع مصادر الدخل والسعي للتخفيف من التفاوت الإقليمي ودعم انفتاح الاقتصاد العماني على العولمة واستغلال مزايا الموقع من خطوط التجارة العالمية، وتدعيم العلاقات الاقتصادية الخارجية، والتكتلات الاقتصادية المختلفة، وتشجيع الانسياب الحر للسلع، وعوامل الانتاج وتطوير مهارات العمالة الوطنية واستجلاب التقنيات الحديثة وتوطينها، وغير ذلك من العوامل، تم بعث مشروع الدقم. وتعد مثل هذه المشاريع إحدى أدوات التنمية المحلية والإقليمية و الوطنية. فهي تشكل في المقام الأول تصورا تنمويا. ففي مجال التنمية، تطرح التجارب الدولية عدة نماذج تختلف في أهدافها وأدواتها وأبعادها ومن ضمنها نموذج الأقطاب التنموية، وهو ما تم اختياره في الدقم. ويتحدد نجاح مثل هذه المشاريع من عدمه بمدى تثمينة للموارد المحلية وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية على الاقليم والبلاد عموما. في هذا الإطار النظري، تبحث الدراسة في مسألة شمول مشروع الدقم لمقومات القطب التنموي أم اقتصاره على مجرد مشاريع اقتصادية ربحية معزولة عن بعضها وعن واقع اقليمها، محاولة رصد خصائص المشروع، وانعكاساته على البيئة المحلية، وطبيعة الاستثمارات الاقتصادية والتنموية والعوامل المؤثرة فيها. وتهدف الدراسة إلى تحديد الدور التنموي لمشروع الدقم والبنية الاقتصادية له وتحديد آفاق تركز وانتشار التنمية في الإقليم، ومدى أهمية الدقم كقطب اقتصادي محلي و اقليمي يتميز بموقعه الجغرافي وأهميته الاستراتيجية محليا ودوليا. اتبعت الدراسة المنهجين الكمي و الوصفي، حيث تم تحليل البيانات الإحصائية المتعلقة بمشروع الدقم. كما تم الاعتماد على الخرائط المتوفرة والملاحظة الميدانية والمقابلات الشخصية، ورسم عددا من الأشكال التي ساعدت على تقييم المشروع وتوضيح النتائج، بالإضافة إلى استخدام عدد من المقاييس الإحصائية، للكشف عن معدلات النمو السكاني، فضلا عن استخدام برامج نظم المعلومات الجغرافية لرسم الخرائط وربطها بموضوع الدراسة. يعد مشروع الدقم من المشاريع العملاقة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، حيث أنه يعتبر المشروع الأول في الشرق الأوسط من حيث المساحة ، والثاني من حيث حجم الاستثمار. يقع المشروع في منطقة تتميز بموقع الجغرافي للمشروع بأهميته الاستراتيجية محليا ودوليا، بفضل قربه من مسار خطوط الملاحة العالمية العابرة للمحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر. كما يقع المشروع عند منتصف المسافة بين ميناء السلطان قابوس بمحافظة مسقط وميناء صلالة بمحافظة ظفار. وهو ما يرشحه لدعم منظومة النقل البحري وتنشيط الحركة التجارية والسياحية بين الموانئ العمانية. كما يعتبر جزء من خطة الحكومة لإنشاء مدينة متكاملة في ولاية الدقم بمحافظة الوسطى وجزء من استراتيجيتها لتنمية المناطق في مختلف أرجاء السلطنة يضم مخطط مشروع الدقم عددا من المشاريع الكبيرة منها: الميناء البحري الذي يتوسط منطقة المشروع، والحوض الجاف، ومدينة الرقم الجديدة جنوبا، ومطارا دوليا في أقصى الجنوب، وميناء للصيد، ومنطقة صناعية في شمال شرق المشروع، ومنطقة للخدمات والترفيه. ولتلبية متطلبات تلك المشاريع كان لابد من وجود بنية أساسية عملاقة تضم: شبكة طرق برية وخط للسكك الحديدية، وشبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء والاتصالات. وقد توصلت الدراسة إلى أن مشروع الدقم قد أحدث تغيرا جذريا في المنطقة، إذ وفر المشروع بنية تحتية واضحة. وقد كان لموقع الدقم دورا بارزا في توجيه العملية التنموية. كما زاد عدد سكان الدقم خلال الفترة من 2003 م إلى 2010 م، بمعدل نمو سنوي بلغ 13.8%، تمثلت الزيادة في عدد الوافدين القادمين للعمل في المشروع. كما كانت للمشروع كانت له انعكاسات واضحة على البيئة المحلية من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. كما أوضحت الدراسة عن بدء عملية تنموية قائمة بالدرجة الأولى على تحويل اقليم الدقم إلى قطب تنموي، مثل: استقطاب الأيدي العاملة، والمواد الخام مشروع الدقم: مشروع اقتصادي أم قطب تنموي؟ ( Backwash effects )، وبعض المشاريع المستحثة مثل مطار جعلوني، و ميناء الصيد في الخليج، وبعض الصناعات القائدة القادرة على حفز ظهور صناعات وخدمات مكملة بشكل تراكمي استقطابي ( Spread effects ). وهذا المشهد يتوافق مع جوهر الهدف من المشروع الذي صمم ليكون قطبا تنمويا يهدف إلى حث مشاريع مساندة، ونشر التنمية، فضلا عن توافقه مع الأهداف الإستراتيجية التنمية الوطنية. وهكذا يتحول اقليم الدقم من اقليم مشاكل خاصة ( Special Problem Region ) إلى قطب تنموي ( Pole of Development ) يعمل على نشر الثروة ويرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الوطني والإقليمي والعالمي.



.