قل ما شهدت فترة من الزمن ممارسة للسلطة مثل التي شهدها القرن العشرين وخاصة الربع الأخير منه، وقل ما امتلكت السلطة السياسية من الوسائل مثل ما تمتلك اليوم. فمن المسلم به أن السلطة السياسية في جميع أنحاء العالم، بما فيها الدول الراسخة القدم في الديمقراطية، تمتلك من الوسائل التقنية الهامة والمتطورة ومن الطاقات البشرية التي تمكنها من مراقبة جميع أوجه الحياة المدنية و المعطيات الشخصية للأفراد والتحكم فيها ما لم تتمتع به أي سلطة في الأزمان الماضية. وتمارس الدولة نفوذها عبر جهاز إداري (الإدارة العمومية) خاضع لإرادتها، منتشر في كل شبر من التراب الوطني ومتكون من مئات آلاف الموظفين. فالإدارة تتمتع بأجهزة وبألات تقنية متطورة جدا مازالت تتطور كل يوم أكثر من ذي قبل وتستعمل طاقات بشرية عظيمة ومتخصصة تخصصا عاليا. فالفرد في جميع المجتمعات أصبح خاضعا للإدارة وأصبحت هذه الأخيرة ماسكة بزمام الأمور كلها ومطلعة على أصغر جزئیات حياة الأفراد. وهذا هذا التطور المهول لقدرات ووسائل السلطة السياسية، يقابله تطور ونمو للأخطار المحدقة بوجود وممارسة الحريات العامة وحقوق الإنسان، لذلك فإن الحرص على حماية الحريات العامة والنضال من أجل ذلك متواصل بلا هوادة، ولا يوجد نظام سياسي وإن كان ديمقراطيا. لا يشكل خطرا على وجود الحريات العامة وعلى ضمان ممارستها بدون مشاغبة.