مما لاشك فیه أن الخبرة الجدلیة - من حیث هي ذلك الحوار الدائب بین المتناهي واللامتناهي، أو بین الواقعي والمثالي- تجد تأصیلها النظري الكامل، سواء على مستوى روح) في (ظاهریات الروح)، أو على مستوى (اللوغوس) في (علم المنطق) في تلك التحلیلات الجدلیة المطولة والمعمقة والمعقدة، والتي قد یصح إیجازها بأنها تبرهن على صحة (الكوجیتو أنا أفكر) من ناحیة، وعلى فعالیة (النظرة المثالیة) إلى العالم من ناحیة أخرى حین تنتهي (الظاهریات) إلى القول: (إن الفكر وجود)، أو (إن الذات هي الموضوع)، وحین ینتهي (علم المنطق) من تحلیله لهذه الحقیقة الأخیرة إلى (أن الوجود ذات) أو إلى (أن الموضوع في حقیقته ذات)، فتكشف الخبرة الجدلیة نتیجة لذلك عن أن الحقیقة التي تشكل صمیم الجدل وجوهره الحي إنما هي (الذات) من ناحیة، واللامتناهي) من ناحیة أخرى، وإذا لم تكن (الذات واللامتناهي) سوى حقیقة واحدة تعرب عن نفسها بطریقتین مختلفتین، ولكنهما في حقیقتهما متطابقتان تطابقاً تاماً، فهذا یعني أنالذات) تتلخص في إنكار المتناهي) ونفیه وسلبه، وإذا لم یكن (اللامتناهي) أن یهتدى إلى ذاته إلا بوضع هذا المتناهي ورفعه (دونما انقطاع) أبداً، فإن هذا الوضع المستمر للآخریة الذي تقوم به الذات هو حقیقة الأنطولوجیا الجدلیة وعصبها الحي، ف الآخریة لیست إلا لحظة ضروریة لنمو الذات التي تضعها وترفعها.