على مدى عقدین من الزمن، من نهایة قرننا المنصرم وبدایة القرن الجدید، بقي المفكر المغاربي محمد عابد الجابري مثالاً للجد والمثابرة والمعرفة الواسعة والموسوعیة في حقل التراث العربي، على أن الأهم من ذلك كله، أنه أصبح عنواناً لمشروع فكري كبیر في وقت انحسرت فیه المشاریع الفكریة العربیة، التي زعمت الشمولیة والرادیكالیة، ولكنها سرعان ما انتهت، إلى ساحة الأصنام النظریة والإیدیولوجیات المستوردة بالجملة، فعلى طول المسافة التاریخیة والفكریة الممتدة من كتابه نحن والتراث، 1980 إلى العقل الأخلاقي العربي، 2001 بقي الجابري عنواناً لمشروع فكري جدید كما أسلفت، ونموذجاً لقراءة جدیدة للتراث العربي تقرأ فیه ما لم یقرأ بعد، وتوظف في إطار هذه القراءة أحدث المفاهیم في حقل العلوم الإنسانیة، وذلك في محاولة لاختراق جدار الصمت الذي فرضته المشاریع الإیدیولوجیة، التي زكمت الأنوف برائحتها التطوریة الزائفة، وبحداثیتها المؤدلجة التي تعتمد مبدأ القیاس ولیس مبدأ الاستئناس، فقادتنا إلى باحة الأوثان النظریة.