لعله یجدر بنا قبل الخوض في الموضوع أن نمهد بفكرة تاریخیة عن جهود المفكرین الإسلامیین (متكلمین وفلاسفة) الساعة إلَى وضع قانون كلي یحكم عملیة العلاقة بین العقلوالنقل. فمتى وقع التفكیر بجدیة في هذا القانون عند مفكري الإسلام؟ ولماذا وضع؟ إن الخوف من شیوع الفوضى في إشكالیة التأویل وآثارها السلبیة على العقیدة نفسها دفعبالعلماء المسلمین -كل من جهته- على الاجتهاد لوضع قانون كلي یحكم العملیة التأویلیة ویجنبها الوقوع في الزلل
ولعل أولى المحاولات عند المتكلمین الأشاعرة كانت على ید الجویني (ت 487 ه) في إرشاده فقد خصص بابا أسماه (باب القول في السمعیات) ثم جاء من بعده تلمیذه الكبیرالغزالي (ت 505 ه) الذي وضع رسالة بعنوان (قانون التأویل) ولعلها من أولى الرسائل الكلامیة المنهجیة التي وضعت في الموضوع. وقد كانت هذه الرسالة محورا لكل الأعمال التي تناولت (القانون) فالغزالي كان سابقا الرازي (ت 606 ه) وممهدا له في تدشین طریقة المتأخرین في التأویل. كما أن مشروع ابن تیمیة (ت 728 ه) الضخم الذي أودعه كتابه الكبیر (درء تعارض العقل والنقل) كان نقضا الرازي المطور والمتجاوز للغزالي أساسا.