علمتنا الأديان الإبراهيمية وسواها أن أبا الخليقة كلها واحد، وأمها واحدة، وأن الإنسان - كما قال الإمام علي - إما أن يكون أخ لك في الدين أو مساوية لك في الخلق . وإننا لنختصر، في هذا المقام، ما قالته الأديان بالآية القرآنية الهاتفة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). فالتعارف هو أصل العلاقات الاجتماعية، والمدخل إلى الثقافة في معناها اللغوي الأصلي أي تقويم الشيء أو الأمر، كما تثقيف الرمح. وتقويم التفكير يفترض معرفة لب الثقافة بالمعنى الاصطلاحي؛ إذا الثقافة هضم وتمثل للمعرفة بحيث تصبح جزءا منا، ومن بنيان تفكيرنا الذي يحركنا نحو كل شيء. هذه هي الخطوات الأولى نحو المصالحة مع الذات، والسلم الأهلي، والسلام العالمي أو الأممي، وهي جميعا معراج الإنسان الساعي إلى الكمال نحو خالقه, هي مراحل التائقين إلى السلام الشامل أو منازل السائرين، بحسب تعبير أصحاب القلوب.