يجادل هذا المقال حول سؤال محوري يتعلّق بمشكلات العالم المعاصر مفاده: إلى أي مدًى تُشكل قضايا الهويّة من ناحية وقضايا الشعبويّة من ناحية أخرى استقطاباً في قِيم الانتماءات الفردية والجماعية في المجتمع المعاصر؟ ثمة دلالة مهمة في طرح السؤال على هذا النحو، تتعلّق بالتناقض بين الالتصاق بالهويّة التي تستدعي الجذور اللغوية والدينية والثقافية وبين الدعاوى الشعبويّة التي تتعلّق بالحشد الجماهيري، وتفرض سياقات عامة ذات أبعاد شمولية، تتجاوز الجزئيات والحدود الضيقة للهويّة. ومع هذا التناقض الظاهر فإن الخبرات التاريخية تخبرنا بإمكانية أن تستدعي النزعات الشعبويّة هويّة بعينها، تؤكدها وتُعيد إنتاجها، عَبْر تأكيد أبعادها اللغوية والتاريخية. ولكن هذا الميل الشعبوي نحو تأكيد هويّة بعينها يعني في الوقت ذاته استبعاد هويّات أخرى، والعمل على تهميشها، وربما مَحْوها تماماً من دائرة الوجود السياسي.