كثيرا ما تلازم ذكر اسم ميشيل فوكو بموجة ما بعد الحداثة في أدبيات الفكر الحداثي الغربي، وذلك انطلاقا من وجهتي نظر تختلفان في تحديدهما للإطار الذي يمكن أن نصوغ من خلاله مفهوم الحداثة؛ فإن تعلق الأمر بالبعد التاريخي لهذا المفهوم أمكننا إدراج أفكار فوكو ضمن السياق التاريخي السياسي الذي انبثقت منه وأثرت في صيرورته، ولا يمكننا ساعتها التغاضي عن اللغط الفلسفي الذي أثارته كتابات وتصريحات فوكو المتأرجحة بين تبنيه لموجة البنيوية وفي تحليله الظاهرتي الجنون والحبس في الثقافة الغربية، ثم تبرئه منها لاحقا، وبين انخراطه في النضال السياسي إلى جانب القوى اليسارية المتطرفة، ثم رفضه لكل تخندق حزبي سياسي، وعلى الرغم من أهمية قراءة أفكار فوكو قراءة تاريخية تستوعب الجدلية التي تحتكم إليها الفكرة والواقع الإنساني . وهو ما سننتهجه في دراستنا - فإن اكتفاءنا بمثل هذه النظرة التأريخية للحداثة وما بعد الحداثة كمرحلة لاحقة وحصر أفكار وإسهامات فوكو في الحيز الزمني يمكنه أن يحد من الآفاق الفلسفية والروحية التي انتهت إليها رحلة فوكو الفلسفية. وحتى تظل الأبواب مشرعة أمام القراءة الحداثية للإشكاليات الفوكولدية؛ فإننا نميل إلى اعتماد المفهوم الحضاري للحداثة، بعدها إحراجا دائما للراهن، وسؤالا متجددة للبديهة والمسلمة المشكلة هي بدورها من جدلية الثبات والتغير، وهو ما سيتيح لنا استقبال فكر فوكو كإسهامات حداثية تسائل الراهن، وتهز المسلمات الإيديولوجية، وتربك الذاكرة الجمعية.