یعتبر عصر التنویر في ألمانیا أقل جرأة منه في فرنسا، فمع أن فلاسفة التنویر في كل منهما قد ا عتمدوا على العقل، ولم یقبلوا إلا سلطانه إلا أنهم كانوا في ألمانیا أقرب إلَى الإیمان الروحي منهم إلَى العقل التحلیلي، وأقرب إلَى التسلیم منهم إلَى الرفض، وقد كان الله في الفكر الألماني القابض على الإنسان والطبیعة، والقائم على قوانین الأخلاق أَو كما یقول شیلر: (أیها الخ لُا نّ، فوق السماء المرصعة بالنجوم، لابد أن یكون هناك أب رحیم). وقد ظهر هذا الطابع عند أعمدة فلسفة التنویر الثلاثة في ألمانیا: هردر في (أفكار في فلسفة تاریخ الإنسانیة)، وفي (فلسفة أخرى في التاریخ)، ولیسنغ في (تربیة الجنس البشرى،
وكانط في (الدین في حدود العقل وحده). أما في فرنسا، فقد كانت الطبیعة أكثر استقلالاً، وأقرب إلَى الحس، وأبعد عن الإشراقیات، وكان العقل أقرب إلَى التحلیل منه إلَى التبریر، یتسم بالرفض أكثر مما یتسم بالقبول؛ لذلك انتهت فلسفة التنویر في فرنسا إلَى ثورة اجتماعیة لارتباطها بالأرض وبحیاة الناس، وقد ظهر ذلك بوضوح عند فلاسفة دائرة المعارف) دیدور ودالمبیر وفولتیر خاصة في (القاموس الفلسفي) أَو في كتابات مونتسكیو وروسو وغیرهم من فلاسفة القرن الثامن عشر. وللتحقیق من صحة ذلك یكفي إجراء مقارنه بین الدین في حدود العقل وحده (كانط) و (القاموس الفلسفي) لفولتیر لترى كیف
سار كانط حتى منتصف الطریق، وكیف سار فولتیر حتى النهایة، وبهذا المعنى یكون كانط شبیها بدیكارت من حیث تبریره للعقائد الدینیة تبریرا عقلیا، ویكون فولتیر شبیها بسبینوزا من حیث إثباته لسلطة العقل وحده ورفضه لكل ما عداه، وتصفیته لكل مظاهر الخرافة في التراث القدیم. ولكن ما سبب تألیف كانط