عندما نجدُ مثل هذا العنوان: الحریة الدینیة في الإسلام، یكون علینا فوراً أن نُشیر إلى الارتباك الذي یُثیرُهُ. فالإسلام مصطلحٌ یُستعملُ الیوم بطرقٍ كثیرةٍ لا ضوابطَ علیها. فهو یشیر مرةً واحدةً إلى دینٍ وجماعةٍ وأیدیولوجیا وخلیط من وجهات النظر الخاصة والأحداث والوقائع..إلخ. ویخلُفُ ذلك مواقف یقوم فیها الناس بالتعبیر بالمفرد نفسِه عن أشیاء مختلفة، مسبّبین بذلك وجوهاً كثیرةً من سوء الفهم. وفي الواقع، یدفع ذلك إلى مجادلات ونقاشات تحول دون الوصول إلى نتائج موضوعیة؛ تساعد على استجلاب فهمٍ أفضل ومعقولیة من وراء كلّ تلك الجهود. والحق أنه لیس هناك شيء هكذا اسمه الإسلام بدون تخصیصٍ أو توصیف. وكما أشار عددٌ من المراقبین، الواقع أنّ ما نملكه في الواقع هو المسلمون، وهم أفرادٌ یَعُ دُّون الیوم ملایین وملایین، بآراء متباینة ومواقف مختلفة، تدّعي أحیاناً الانتساب أو التواصُل مع مجموعةٍ من النصوص المقدسة والتقالید التأسیسیة. ولذلك یكون علینا السعي دائماً للتعبیر عن الحاجة إلى "نظامٍ للخطاب" في هذه النقاشات. وهذه الحاجةُ للتعبیر النظامي والاصطلاحي یمكن أن تضعنا على المسار الصحیح، مسار الوضوح والفهم، بدلاً من الاستمرار في تداول الأفكار المسبقة والنمطیة. فالخطابات عن المسلمین والتقالید الإسلامیة، ما كانت من الدقة بحیث تُمیُّز بین الوقائع والأحداث التي نشیر إلیها، مثلما یكون الأمر لو تحدثنا عن المسیحیة أو العالَم المسیحي، بحیث تضطر أحیاناً لإضافة تعبیر المسیحاني مثلًا. والأمر الآخر الذي یكون علینا من أجله أن نكونَ حذِرین، مسألة "الحریة الدینیة" في الإسلام، لأنّ الإقدامَ على ذلك بدون استعدادٍ یدفع لمواقف إعتذاریة(إیجابیة أو سلبیة بهذا الشكل أو ذاك، ومتعاطفة أو معادیة للإسلام). فتلك الأحادیث في العادة تجمع بعضاً من اللاهوت وبعضاً من التاریخ، بدون فكرةٍ أو منهجٍ حاكم؛ سواءٌ أكان ذلك یحملُ وراءه دافعاً علمیاً أو دینیاً. والذي أقترحه لجمع شمل التنوع والتعقید في مواقف المسلمین من الحریة الدینیة، القیام بعرضٍ تاریخي وآخر كلامي أو لاهوتي، یمكن أن یساعد في فتح أفقٍ للحدیث عن مستقبل الحریة الدینیة في سیاقاتٍ إسلامیة.