يعد علم الكلام من أهم العلوم التي نشأت في الحضارة الإسلامية؛ لأسباب اقتضاها المسار الثقافي والحضاري لهذه الحضارة، خاصة في تفاعلها مع الحضارات الأخرى الوافدة على الإسلام، وكانت الغاية من هذا العلم هو الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وإبطال أقاويل الخصوم، ولا أدل على ذلك من هذا التعريف الذي جاء في كتاب إحصاء العلوم للفارابي؛ إذ عرف هذا العلم فقال: «صناعة علم الكلام مملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الأفعال المصرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل». وهو التعريف الذي اختاره الإمام أبو حامد الغزالي؛ إذ عف علم الكلام بأنه: «حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها من تشويش أهل البدعة..» وفي إحياء علوم الدين عرفه بقوله: «علم الكلام: به يدرك ذات الله سبحانه وصفاته». وهذه التعاريف رغم اختلافها في الشكل أحيانا، وتنوعها في المضامين والمحتويات؛ فهي تشترك في المضمون العام المشكل لهذا العلم، وهو البعد الدفاعي والحجاجي المكون لهذا العلم في بنائه العام وهويته الخاصة، ولا أدل على هذا الاختيار - في ربط الخاصية الدفاعية بعلم الكلام - من أن يعرف هذا العلم بأنه علم «إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ورفع الشبه» ومن هنا فقد اختار ابن خلدون في المقدمة أن يعرف هذا العلم بقوله: علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف».