كتب الفيلسوف الروماني القديم شيشرون (106 ق.م - 43 ق.م) منذ أزيد من عشرين قرنا أحد أقدم الكتب الفلسفية في موضوع «الواجب» (44 - 43 ق.م) أورد فيه ضمن ما أورد- التساؤل الاستنكاري التالي وذلك بمناسبة حديثه عن منزلة مسألة «الواجب» هذه في الفلسفة-: «... وإنه لموضوع طرقه كل الفلاسفة، وإلا من ذا الذي يجرؤ على أن يقول عن نفسه: إنه فيلسوف ما لم يكن قد ضمن تعاليمه قاعدة خلقية تتعلق بالواجب؟»، الست أدري ما إذا كان الفيلسوف الألماني المحدث إيمانويل كانط (1724-1804) قد قرأ هذا الكلام حتى ير به وهو الذي عد من بين الفلاسفة فيلسوف الواجب بالامتياز. ولكن ما يمكن زعمه بهذا الصدد أن كانط يستحق في نظر شيشرون أن يتسمى فيلسوفا. وهو يستحق ذلك بشرف وامتياز؛ ذلك أن الرجل أفرد لمفهوم «الواجب» عددا من أبنات تصانيفه الأخلاقية، هذا إن لم تكن كلها. فقد أورد القول في هذا المفهوم - على الأقل في تضاعيف ثلاثة من أهم كتبه: كتاب تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (1785)، وكتاب نقد العقل الخالص العملي (1788)، وكتاب ميتافيزيقا الأخلاق (1797)؛ بل وأوقف القول عليه، كل القول وأوفاه، في كتاب ميتافيزيقا الأخلاق. ولعلي لا- أراني قد بالغت في شيء إذا أقول: إن كانط هذا يعد أحد أبرز من كتبوا من الفلاسفة في مفهوم «الواجب»، بدءا من الفيلسوف الرواقي بانيتيوس (حوالي 180 ق.م - 110 ق.م) مؤلف الكتاب الضائع في الواجب، إلى الفيلسوف السياسي البريطاني ديفيد سيلبورن (1937- ) صاحب كتاب مبدأ الواجب، ومرورا بشیشرون والقديس أمبرواز (340-397) ومالبرانش (16381715) وغيرهم كثير، فإنه إذا ما وضع إلى جنبهم يبزهم جميعا من حيث إيلائه إلى هذا المفهوم فائق العناية؛ بل إنه ذهب - اتساء بالفلسفة السكولائية إلى حد وصف الفلسفة العملية على الجملة- بكونها «مذهب الواجبات». وما زال ينزل مفهوم «الواجب» المنزلة الأعلى في فلسفته الخلقية حتى أنشأ يقول: «إنك لواجد أنه من بين جماع مفاهیم العقل، فإن مفهوم الواجب والتشريع الذي يلزم عنه- بوصفه مفهوما ينتجه العقل الخالص، لهو المفهوم الأرفع والأعلى، وذلك بحكم أنه يتجه نحو الغاية القصوى للإنسان)».