الجیلین اللذین عمروا المغرب في هذه الأعصار، وملآ أكنافَ الضواحي منه والأمصار، وما كان لهما من الدول الطوال أَو القِصار، ومن سلف لهما من الملوك والأنصار- وهما العربُ والبربر؛ وعلَّل سبب اهتمامه بهما بأنهما الجیلان اللذان عُرف بالمغرب مأواهُما، وطالَ فیه على الأحقاب مثواهُما، حتى لا یكاد یُتصوَّرُ عنه مُنتواهُما، ولا یعرفُ أهلُهُ من أجیال الآدمیین سِواهُما. ویمكن القول بأن اكتناهه لأخبار هذین الجیلین وراء نظریته في العصبیة وعلاقتها بالدولة، كما علاقتها بالدعوة الدینیة. بید أنّ المشروع اتّسع بین یدیه فیما بعد، ولجهتین: لجهة المضمون، ولجهة المنهج. أمّا لجهة المضمون؛ فإنه عندما جاء إلَى المشرق، ضمَّ إلَى أخبار الجیلین تاریخ وأعمالَ جیلٍ ثالثٍ هو جیلُ التُّرك، أَو كما قال: (أفدْتُ ما نقصني من أخبار ملوك العجم بتلك الدیار، ودول التُّرك فیما ملكوه من الأقطار. وأمّا لجهة المنهج؛ فقد تجاوز الأَمرُ التوسُّعَ إلَى رؤیةٍ أُخرى للعالَم سمّاها (العمران البشريَّ والاجتماعَ الإنساني