اللغة نظام یتلقاه الفرد عن مجتمعه بطریق التعلیم والتقلید، كما یتلقى عنه سائر النظم الاجتماعیة الأخرى، ویصب أصواته في قوالبه، ویحتذ به في تفاهمه وتعبیره، وهي تقوم على عناصر ثلاثة "الأصوات، الألفاظ، الجمل". واللغة لیست من الأمور التي یضعها فرد معین أو أفراد معینون، وإنما تخلقها طبیعة
الاجتماع، وتنبعث على الحیاة الجمعیة، وما تقتضیه هذه الحیاة من تعبیر عن الخواطر وتبادل للأفكار، وهكذا فإنها لیست غایة مقصودة لذاتها، وإنما هي وسیلة ضروریة للتفاهم والثقافة والعلم، وهي القالب الذي یصب فیه التفكیر، فكلما ضاق هذا القالب واضطربت أوضاعه ضاق نطاق الفكر واختل إنتاجه، وهي ظاهرة بسیكولوجیة اجتماعیة ثقافیة مكتسبة، لا صفة بیولوجیة ملازمة للفرد، تتألف من مجموعة رموز صوتیة لغویة اكتسبت عن طریق الاختبار معاني مقررة في الذهن، وبهذا النظام الرمزي الصوتيتستطیع جماعة ما أن تتفاهم وتتفاعل، وباللغة فقط صار الإنسان إنساناً، وباللغة فقط تطورت الحضارة وتقدم العمران وبلغ العقل الإنساني ذروتهیقول الدكتور إبراهیم السامرائي "إن اللغة وثیقة الصلة بالإنسان وبیئته فهي تظهر المجتمع الإنساني على حقیقته، ولیست اللغة رابطة بین أعضاء مجتمع واحد بعینه، وإنما
هي عامل مهم للترابط بین جیل وجیل، وانتقال الثقافات عبر العصور لا یتأتى إلا بهذه الوسیلة العجیبة".ویشیر فخته إلیها بقوله: "اللغة تجعل من الأمة الناطقة بهاخاضعاً لقوانین. إنها الرابطة الوحیدة الحقیقیة بین عالم الأجسام وعالم الأذهان". بینما یرى فوسلر أن اللغة القومیة وطن روحي یؤدي من حرم وطنه على الأرض. ویعتبرمصطفى صادق الرافعي أن اللغة مظهر من مظاهر التاریخ، والتاریخ صفة الأمة كیفما قلبت أمر اللغة من حیث اتصالها بتاریخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسیة وانسلاخ الأمة من تاریخها.إن الفكر لا ینفصل عن اللغة التي هي عین عینه، ومن هنا توسَّدَتْ دورها الخطیر في بناء شخصیة الإنسان، فرداً ومجتمعاً، ومن هنا بالتالي ظهر أثرها في إیقاظ الشعور القومي أو الوعي القومي فهي من أهم عوامل القومیة، بل إنها العامل الأول لترسیخ الانتماء القومي. واللغة لیست وسیلة من وسائل التفاهم والثقافة فحسب، وإنما هي أساس كل نشاط ثقافي،
ووظیفتها هي الدلالة والإیحاء، وترتقي اللغة بارتقاء الفكر وهي أشبه بكائن حي تنعكس فیه جمیع مزایا المجتمع إنها المستودع الأكبر، والأمین للتراث الاجتماعي والعقیدة، وهي العامل الأوحد لنشر هذا التراث بصورة مشتركة بین مختلف صنوف الشعب، بها یتسلم الجیل الطالع من الجیل المتواري نظرته في الإنسان، والمادة، والخالق فتكون همزة وصل الأجیال بعضها ببعض. وفي الاعتبار التربوي أن الطالب الذي یتدرب على صحة التعبیر یتدرب أیضاً علىصحة التفكیر فالتعبیر والتفكیر جوهر واحد ویظهر أن العرب القدماء في العصور الجاهلیة وصدر الإسلام لم یكونوا یعبرون عما نسمیه نحن "باللغة" إلا بكلمة "اللغة العربیة" وقد یستأنس لهذا الرأي بما جاء في القرآن الكریم من استعمال كلمة "اللسان" وحدها في معنى اللغة نحو ثماني مرات وتبرز اللغة العربیة كإحدى اللغات العظیمة التي تُعَ دُ مرآة حضارة أمة عریقة لتكونى بالكتاب المقدس والذي أنزل على نبینا محمد -صلى الله علیه وسلم- باللسان العربي المبین، لغة الكتاب المعجز، ومثلًا رائعاً في الصیاغة اللغویة، بل مثلًا فریداً في الإعجاز اللغوي، والمواطن الصالح هو الذي یعتز بلغة أمته وما أجدر اللغة العربیة بهذا الاعتزاز