لم ینقطع التواصل الثقافي بین أجیال المغاربة عرباً وبربراً، مّمن یقطنون شمال إفریقیة منذ الفتح الإسلامي الأول وحتى عصرنا الحدیث، وإن كان قد انحصر مدّه إلى حدوده الدنیا إبّان الاحتلال الفرنسي للمنطقة، في أطول فتراته بین عامي 1830 و 1962 للمیلاد. كانت الذكرى المئویة الأولى، والأخیرة طبعاً، في عمر ذاك الاحتلال، عام 1930 م مناسبة ملائمة لیقیم المستعمرون احتفالاً بطراً، أعلن فیه الكاردینال "لافیجري" صراحة:
إنّ عهد الهلال في الجزائر قد غبر، وإن عهد الصلیب قد بدأ، وإنه سیستمر إلى الأبد" وكان لهذا الاحتفال الاستفزازي تداعیات على نفوس الجزائریین موالین ومعارضین، وجد فیها الإمام عبدالحمید بن بادیس ظرفاً مناسباً لإعلان مشروعه النهضوي، الذي خطط له بعنایة وحكمة مع رفیق دربه الإمام محمد البشیر الإبراهیمي منذ أن التقیا في مدینة الرسول-صلى الله علیه وسلم- قبل ذلك بسنین. تقدم ابن بادیس بطلب الاعتماد لجمعیة العلماء المسلمین لدى الحاكم الفرنسي المسؤول عن الشؤون الدینیة، فنال الموافقة على عجل، لحاجة المستعمر إلى خطوة تلطیفیة تجاه الشعب الذي ثارت حفیظته جراء تلك الاحتفالات. وكان من حكمة المؤسسین للجمعیة إدراجهم ضمن قائمة الأعضاء التي قدمت فیها أسماء تمثل كل الأطیاف الدینیة العاملة على الساحة الجزائریة: الزیتونیون، والطرقیون أرباب الزوایا، والإباضیون ممثّلین بكبیرین من أعلامهم: الشیخ إبراهیم أبي الیقظان، والإمام إبراهیم بن عمر بیّوض.