تشتعل في العالم في السنوات الأخیرة من جدید مسألة (المرجعیة)، بمعنى الرؤیة الشمولیة التي تحكم الأفكار والتصرفات على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول والنظام العالمي. وتبدو النقاشات الدائرة بشأن هذه المسألة بمثابة ردّة فعل على ما شاع خلال الثمانینات والتسعینات من القرن الماضي عن (سقوط الأیدیولوجیا). وكان المقصود بالشعار شَ نَّ (حرب أفكار) على الأنظمة الشیوعیة بحجة أنها (شمولیة) وبطرائق أیدیولوجیة. بید أنّ نهایة الحرب الباردة، واستمرار الصراعات العالمیة رغم تلك النهایة، أنتجت أیدیولوجیات جدیدة من جانب القوى التي بدا أنها منتصرة. بدأت العودة للشمولیات بالحدیث عن عولمة الدیمقراطیة، ثم عن عولمة السوق، وأخیرا عن عولمة الحضارة والتجربة الغربیة. ومعنى ذلك أنّ أولئك الذین انتصروا في الحرب الباردة بداعي مكافحة الشمولیات، راحوا یحاولون إنتاج وفرض أیدیولوجیة شمولیة جدیدة، وإنْ بدتْ أرحب وأكثر تعددیةً في الخیارات. وقد اقتضى إنتاج شمولیة السوق ومرجعیتها، وشمولیة العولمة ومرجعیتها إكمال العُدّة الأیدیولوجیة/ الفكریة وعلى مستویین: العودة لفكرة النظام العالمي وتسمیته جدیداً، والعودة لفكرة العدوّ (المفروض أنها انتهت في الحرب الباردة
بالحدیث عن صراع أو صِدام الحضارات!