سأتناول "العقل والعدل والأخلاق" من ثلاثة جوانب: أولها: التأسیس الدلالي لهذه الألفاظ من خلال وضعها أمام مرایا لغویة، تمهیداً للتأسیس الاصطلاحي بوضعها مرة ثانیة أمام مرایا الدین والفلسفة، ثم أنتقل من بعد إلى مرایا من نوع آخر (متقابلة)، تبغي كشف الجدل القائم بینها، وما یربطها من علاقات بینیة. كانت عیناي وأنا أقلب الفكر في ما أكتب على عدد من الجهود السابقة، منها ذلك الدرس المعمق والطویل الذي اضطلع به محمد عابد الجابري، وتجلى في سلسلته المتصلة ب العقل العربي" تكویناً وبنیة، ثم منعوتاً ب"السیاسي" و"الأخلاقي" وقد أمكنه أن یقارب هذه المفردات من زوایا عدیدة مقاربات علمیة منهجیة، مستنداً في ذلك إلى مراجع ومصادر غنیة ومتنوعة، عربیة، وأجنبیة. رجعت إلى بعضها، وتوقفت عندما أریده منها. كما لم تغب عني دراسات أخرى من مثل الدراسة التي قدم بها د. حسین القوتلي لكتابي الحارث المحاسبي "العقل" و"فهم القرآن"، ودراسات أخرى تضمنها كتاب د. رضوان
السید "الأمة والجماعة والسلطة". حرصت على ذكر هذه العناوین لأدل على أني وضعت في حسباني ما كتبه هؤلاء، وأفدت منه من ناحیة، وحاولت أن أضیف إلیه أو أعمقه أو أناقشه أو أثیر فیه أو حوله بعض الأسئلة الجدیدة، إذ لا یخفى أن مسألة التأسیس وتحدید المفاهیم مسألة قابلة للنظر باستمرار.