العنف ظاهرة قدیمة ومعقدة ومركبة. وقد ارتبطت هذه الظاهرة بالاجتماع الإنساني في كافة مراحله وأطواره، القدیمة والحدیثة والمعاصرة، وفي مختلف التقسیمات الأخرى التي وضعتها العلوم الاجتماعیة والإنسانیة لتطور وتحول الاجتماع الإنساني. ومهما تعددت وتباینت الملامح والمكونات الدینیة والثقافیة والاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة في الاجتماع الإنساني، ومهما اختلفت وتباینت الملامح والمستویات المدنیة والحضاریة. فظاهرة العنف لا یمكن أن تتحدد بزمن أو بعصر معین، فقد كانت لها تشكلات في جمیع الأزمنة والعصور. ولا یمكن أیضاً أن تتحدد بدین أو عقیدة خاصة، فقد ارتبطت بجمیع
الدیانات من حیث الانتساب البشري، وكانت لها تشكلات في المجتمعات الیهودیة والمسیحیة والإسلامیة. كما لا یمكن أن تتحدد بثقافة أو هویة معینة، فقد كانت لها تشكلات في مختلف الثقافات والهویات. وهكذا من جهة تباین المستویات الحضاریة والمدنیة، فالعنف لیس ظاهرة خاصة بالمجتمعات غیر المدنیة أو الأقل تمدناً، فهو یمثل ظاهرة حتى في المجتمعات التي توصف كذلك بالتمدن والتحضر. لكن الذي یختلف بین هذه التقسیمات والتصنیفات هو في صور التعبیر عن العنف، وفي طبیعة أنماطه السلوكیة، وفي نوعیة المسوغات التي تبرر له، أو تكسبه مشروعیة، أو تحدد له مصلحة ما.