دار جدل طویل خلال العقد الأخیر حول تفسیر التنازعات الكبرى القائمة في العالم، أقصد تلك التنازعات التي توجهها أیدیولوجي ات كبرى، وتغذیها رؤى تستند إلى تصورات ثقافیة أو دینیة أو عرقیة، وأ نتهى الأمر إلى الأخذ بتفسیرین، أولهما صراع الحضارات، وثانیهما صراع الأصولیات، وفي موضوع جدالي مثل هذا تترتب فیه النتائج في ضوء زاویة النظر، لیس المهم الاتفاق الاصطلاحي حول المفاهیم، إنما المهم الاتفاق على الحیثیات الموجهة لتلك التنازعات، ومع أن المجتمعات في العصر الحدیث قد طورت ما یكفي من أسباب التنازع كالأیدیولوجي ات المطلقة، والاستبداد، والاستغلال، والمصالح، لكن الأمر الذي یقترحه هذا البحث، هو أن التنازعات الكبرى هي نتاج لمركزیات ثقافیة وجدت لها باستمرار تسویغا من أطراف التنازع . وبسبب غیاب التصورات النقدیة التي تجرّد تلك المركزیات من غلوائها، في نظرتها المغلقة إلى نفسها وإلى غیرها، فقد تصلّبت تصوراتها، واصطنعت لها دعامات عرقیة أو دینیة، أدت إلى زرع فكرة السمو والرفعة في الذات والدونیة والانتقاص في الآخر، ومع أن كثیرا من أطراف العالم قد تداخلت في مصالحها وثقافاتها، وأفكارها، لكن ضعف الفكر النقدي حال دون أن تتلاشى المركزیات الكبرى، وبقدر تعلّق الأمر بالعالم الإسلامي، یجد هذا البحث أنه من المناسب ان یقف على تلك المركزیات المتصلة به، فیحاول أن یضعها تحت مجهر التحلیل والنقد، لتخفیف شحنة التفاضل المتأصلة فیها، وسنحاول تقدیم تحلیل ثقافي لظاهرة التمركز الثقافي المهیمنة في العالم الآن.