شغل الإنسان بالبحث عن الهویة على مر العصور. وكانت غایته وهو بصدد بحثه الدائم الدائب عن هویته، هي صناعة الحضارة، والتدخل في حركة التاریخ بإرادته. ولا یصبح الإنسان باحثا عن هویته إلا في عصر التحولات، وتغیر النماذج الإرشادیة الحاكمة وتبدل المسلمات وتمیع الهویات. ومن هنا فإن إشكالیة البحث عن الهویة لیست إلا أطروحة للتحول الحضاري والنهضة والبحث عن صیاغة جدیدة لتاریخ الأمم والشعوب. وما هي إلا إشكالیة تغیر النموذج الإرشادي المسیطر على هویة مجتمع بعینه، والنماذج الإرشادیة تلك ما هي إلا إنجازات حضاریة اعترف بها المجتمع في عصر معین، وشكلت هویته وأصبحت نموذجا للمشكلات وصیاغتها والحلول، ومنهجا للرقي والارتقاء في سلم الحضارة الإنسانیة إن هذا الموقف تجاه الهویة تتبلور قسماته البارزة، عندما توجد جماعة بأكملها في حالة من الحیرة تجاه موضوع الهویة، فنراها تشیر بذلك، إلى أن هناك أسبابا مختلفة قد شوشت عملیات تلقي إرث الشفرة بالنسبة لعلاقات الأجیال فیها. وإذا ما تواصلت هذه الحیرةوأصبحت بمنزلة سمة ممیزة لعدد من الأجیال على التوالي، فإن هذا دلیل قاطع على أن
هناك خطرا داهما یهدد هذه الجماعة، وهو خطر التفكك، إذ إن هذه الحیرة تجاه الهویة هي من العلامات الواضحة على أن الجماعة لم تنجح في أن تحافظ على تواصل أبنائها بها. ومن هنا فإنه یعد من الأمور المصیریة للغایة بالنسبة لها في هذه الحالة، أن تقوم في الوقت المناسب بعمل استیضاح حول ماهیة هذه الحیرة التي تسود الجماعة حلو مسألة الهویة. وهذا الاستیضاح الثاقب والجدي هو الذي من شأنه أن ینقذ الجماعة من التفكك قبل فوات الأوان. إذ إن نتائجه یمكن أن یعید لأعضاء الجماعة الإیمان بمركبات الشفرة بكاملها، أو یشیر إلى تلك المركبات المنفصلة في الشفرة التي قد تكون في حاجة إلى تحدیث وملاءمة مع ظروف العصر