إن تاريخ العلاقات بين المسلمين وأوروبا منذ ظهور الإسلام حتى الفتح الإسلامي للقسطنطينية في منتصف القرن الخامس عشر للميلاد يحتفظ بأهمية بالغة، خاصة وأن تلك الفترة مثلث مسرحا كبيرا لجملة من الحوادث التاريخية الضخمة، التي تركت آثارا وندوبا على سطح العلاقة بين العالمين، كما مثلت أيضا بوتقة كبري انصهرت فيها ثقافتهما، وخرجت عن ذلك مجموعة من المفاهيم التي انتقلت بشكل طبعي إلى عصرنا الحديث، ومثلث محددات ومنطلقات فكرية لعلاقة كل طرف بالآخر. ولعلنا لاحظنا جميعا منذ فترة قريبة بعض إفرازات الفكر الأوروبي تجاه الإسلام ونبي المسلمين - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن تلك الأفكار وليدة واقع المسلمين المعاصر، بقدر ما كانت وليدة للعصر الأوروبي الوسيط (عصر الإيمان) الذي لم يستطع استعیاب المسلمين ودينهم. لقد حكمت الرؤى الإسلامية المسيحية الأولى للإسلام كافة ردود الأفعال التالية، فقد طغت تلك الرؤى السلبية للإسلام ورسمت ووجهت السياسات الأوروبية تجاهه. ومن نافلة القول أن نذكر أن النخبة الأوروبية التي صاغت تلك الرؤى جاءت من رجال الكنيسة: القادة الروحيين للشعب الأوروبي المسيحي، والوحيدين الذين حظوا بقدر لا بأس به من التعليم في مواجهة باقي طبقات الشعب الأوروبي العلماني، وهو ما جعل معظم الناس في أوروبا آنذاك لا يعرفون شيئا عن الإسلام.