لا طائل من محاولة وضع تحدید معین للعقل، بوصفه ماهیة مجردة أو خالدة، إذ ستنشأ عن ذلك تساؤلات جمّة تخص طبیعته وهویته، وكیفیة بزوغه وتشكّله وما إلى ذلك من تساؤلات. ویجمع الباحثون على أن التاریخ لم یشهد لحظة معینة ولد فیها العقل، كما یصعب الإلمام بدلالاته كمفهوم، كونه استخدم في مجالات متعددة وبأشكال مختلفة، ووظف توظیفات شتى، وخضع لتبدلات وتغیرات كثیرة. إضافة إلى كونه مفهوماً متعدّد المعاییر، یُنظر إلیه حسب الفلسفة التي أنتجت مركبات وحمولات دلالاته. مع ذلك یمكن القول أن المیتافیزیقا شهدت ولادة مفهوم العقل ورعته كمنتج كليّ لتصوراتها، وحاولت أن تضفي علیه قداسة وهویة واحدیة ثابتة ومتطابقة، ثم بتطور الفلسفة والعلوم تطورت مدلولاته على مرّ العصور المعرفیة، إذ تحول العقل من حالة مبهمة في ملكة التفكیر إلى لوغوس" خطابي وجوهر كلي، ثم إلى لاهوت مقدس ومفهوم غائي، ثم إلى أداة وتقنیة ومصلحة وتواصل، وما إلى ذلك مما أضفته علیه إرهاصات وإسقاطات الفكر المیتافیزیقي الشمولي.