في سنة 1977 أصدر المتخصص في عصور ما قبل التاريخ جاك كوفن كتابة عنوانه: نشأة الآلهة، نشأة الزراعة»، افترض فيه أن الدين هو الذي دفع البشر إلى إنشاء المدن والانتقال إلى حياة الاستقرار، وتعاطي الزراعة، والاتفاق حول محددات دنيا للعيش المشترك، وبذلك بدأت الثورة النيوليتية وأطلق أكبر تحول شهدته الإنسانية في تاريخها، ويعد هذا الافتراض الذي طرحه هذا العالم المشهور على النقيض مما ساد إلى حد الآن لدى مؤرخي الأديان؛ إذ افترضوا دائما أن الزراعة والمدينة قد أنشأتا التنظيم الديني بالمعنى المعروف إلى اليوم. وقد اعتبر كوفن أن النظرية السائدة تعجز عن تقديم الجواب السؤال التالي: لماذا قررت مجموعة بشرية أن تتوقف عن حياة الترحال واعتماد الصيد والجني؛ لتستقر في التجمعات السكنية وتمارس الزراعة؟ بعبارة أخرى، لقد شكك في التفسير المادي للظاهرة الدينية، واقترح تفسير عكسية قائمة على الثقافة: ماذا لو أن رغبة الإنسان في الاجتماع المشترك . كما عبرت عنه ممارسة الشعائر الدينية بصفة جماعية . هي التي دفعته إلى إنشاء المعابد، ومن ثمة بدأ ينشئ المدن؟ عند صدور الكتاب كانت قد مضت سنتان على بداية الحفريات في الموقع المعروف بغویکلي تبه في تركيا، على مقربة من الحدود السورية، ومع تقدم الحفريات أصدر المسؤول عنها - الألماني كلاوس شميدث، حكمة مماثلا: حاجة الإنسان إلى الإيمان الديني هي التي دفعت الإنسانية إلى الثورة النيوليتية وليس العكس؛ ذلك أن سميدث اكتشف في هذا الموقع معبد، يعة . حسب معارفنا الحالية . أقدم معبد في التاريخ، بني قبل حوالي سبعين قرنا من معابد بلاد الرافدين وأهرامات مصر، في مرحلة لم يعرف فيها الإنسان بعد سكنى المدن وتعاطي الزراعة. ويعد اكتشاف هذا الموقع مستندا إضافية لنظرية التفسير الثقافي للظاهرة الدينية في السياق الذي اقترحه كوفن في الكتاب المذكور، ويبدو أننا نقف اليوم على عتبة ثورة براديغمية في علم الأديان المقارن تدفع إلى إعادة النظر في الكثير من القضايا وتخفف من وطأة التفسير المادي للظاهرة الدينية خاصة والظواهر الاجتماعية عامة واعتبار العامل الثقافي عاملا رئيسا ومكونا قائمة بذاته في تفسير الحضارة في الشرق الأوسط ومن ثمة في العالم كله.