إذا كان قد تأكد منذ فترة طويلة أن كتاب "الاستشراق" لإدوار سعيد، المنشور في عام 1978، احتوى على العديد من الأخطاء الحدثية وأخطاء التأويل، نستند . في غالب الأحايين - إلى دفاعه عن فتح الحقول البحثية وتنشيط النقاش في هذا المجال. من ناحيتي أعتقد أن هذا الكتاب، والكتب التي حذت حذوه أغفلت آفاق البحث، وأن النقاش الحي إلى حد كبير الذي نجم عنه انحصر آخر الأمر في حدود ضيقة للغاية. دوما يظل تاريخ الاستشراق الأكاديمي والفني في حاجة إلى كتابته؛ ولكي يكون واضحة وكاملا في آن معا، من اللازم اجتياز الحدود الكرونولوجية والطبوغرافية التعسفية كلية التي استحضرها سعيد وتلاميذه. من الغريب تماما - على سبيل المثال - أن سعيدا اختار أن يتجاهل الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا والتواطؤ الحميم الذي نلاحظه في بلدانها بين المديرين الكولونياليين، الجامعيين والفنانين، مما أسهم في فقد العرض الكبير للاستشراق الفرنسي الذي اقترحه سعيد من حظوته، حيث حصر مجهوده في تحليل بعض أعمال الكتاب الرومانسيين تتخيل جيدا أن سعيدا لم يشعر بنفسه وهو يندفع نحو الاتهام الكامل للاستشراق، مما يقتضي تحلي بالمنهج نفسه، الأجيبتولوجيا، والدراسات العبرية، والفارسية، والتركية، أعمال علماء السنسكريتية والحضارة الصينية ، كما كل سلسلة التفاعلات الثقافية في الغرب بالنسبة إلى الشرق والعقل الانسيكلوبيدي القادر على تحليل كل ما سبق لم يخلق بعد؛ بيد أن سعيدا استطلع نوعا ما منهج الدراسات السنسكريتية أو الصينية المتطور، مما أفضى به إلى الحذر الكبير.