یسرد الأمیر شكیب أرسلان قصة علاقته بالسید رشید رضا في كتاب "إخاء أربعین سنة"، فیستهلها بذكر البدایات فیقول: "الذي أتذكره أنه في سنة 1312 ه وفق سنة 1895 م قیل لي في بیروت إن شاباً أدیباً من طرابلس الشام یسأل عنك ویهمه الاجتماع بك (...). وما مضت أیام حتى جاءني، وكنت نازلاً في فندق ببیروت یقال له "كوكب الشرق" (...) وكان أن التقیا، مرّة أولى وثانیة وثالثة، في المرّة الأولى كان بدء الحدیث تعبیر السید رضا عن ولعه بقراءة دیوان شكیب أرسلان المسمى "بالباكورة" والذي كان قد نشرهعندما كان في السابعة عشرة من عمره (أي في العام 1887 على أن مقصد التعارف كان أبعد من ذلك، وكما یستنتج من قراءة السیرة المشتركةودلالات النص:
فالقصد الأول: طلب رضا من أرسلان أن یحدّثه عن اتصال هذا الأخیر بالمصلحین اللذین ذاع صیتهما في العالم الإسلامي السید جمال الدین الأفغاني والشیخ محمد عبده. فهمّ الإصلاح أولاً كان مشتركاً منذ البدایات. المرجعیة المباشرة لهذا الإصلاح، تتمثل في أفكار نشرات "العروة الوثقى" التي كانت تتسرّب خفیة إلى الداخل العثماني، وعبر أقنیة اتصال، تتمثل بأفراد من نخب تهیأت لها فرص الاتصال بالشیخین جمال الدین ومحمد عبده.
أما القصد الثاني: وهو قصد إجرائي متعلق بالأول، فقد عبّر عنه رشید رضا في مقابلته الثالثة في العام 1897 ، عندما أسرّ إلى شكیب أرسلان بعزمه إلى السفر إلى مصر لتأسیس مجلة إصلاحیة "وأوصاه آنذاك بكتمان الخبر". ویعلق أرسلان على ذلك "لأنه یجوز أن الحكومة في حال معرفتها بالخبر أن تمنع الشیخ رشید من السفر، فقد كنا في عصر السلطان عبد الحمید لا نقدر على السیاحة إلى الخارج إلا بإذن، وكان هذا الإذن متعذراًكثیر ویذكر أرسلان في هذا السیاق ما جرى من حدیث بین رشید رضا وعبد القادر القباني صاحب جریدة "ثمرات الفنون". والحدیث یكشف ما كان علیه حال الاجتماع السیاسي العثماني في علاقته بالحریات السیاسیة والفكریة، وقضایا الإصلاح بشكل عام، ولكنه كان
یكشف أیضاً تمایزاتٍ في مواقف نخب ذاك العصر وسلم الأولویات فیها.