دار جدل ولا یزال بین الباحثین حول مفهوم "المجتمع المدني" أما التعریف الذي تستند إلیه هذه الورقة ویتبناه الكثیر من علماء الاجتماع العرب وغیرهم مثل الدكتور سعد الدین إبراهیم- فیقوم على اعتبار أن المجتمع المدني لیس سوى "مجموعة من التنظیمات التطوعیة الحرة التي تملأ المجال العام بین الأسرة والدولة لتحقیق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقیم ومعاییر الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمیة للتنوع والخلاف وتشمل تنظیمات المجتمع المدني كلا من الجمعیات والروابط والنقابات والأحزابوالأندیة والتعاونیات، أي كل ما هو غیر حكومي وكل ما هو غیر عائلي أو إرثي هذا التعریف یبدو واضحاً ومحایداً وعملیاً إنه یجمع بین شروط الحق في التنظیم والاستقلالیة والدیمقراطیة، ویقیم علاقة وثیقة بین الشكل والمضمون، كما یحافظ على قدر من الحیادیة عندما یفصل المصطلح عن المواقف الأیدیولوجیة التي أربكت المفهوم وأضافت له مواقف مذهبیة وأیدلوجیة من خارجه، فلم یورد مثلًا العلمانیة(بمعناها فصل الدین عن الدولة) كشرط حتمي لوجود المجتمع المدني، ولم یقرن المصطلح بمفهوم جاهز وشمولي للحداثة والتحدیث، كما أن التعریف لم یُقص الأحزاب والنقابات والجماعات الدینیة وجماعات المصالح، خاصة في مجتمعات مثل المجتمعات العربیة التي لا تزال تمر بتحولات هیكلیة وتشقها أزمات بنیویة حادة ولم تستقر ثقافیاً ومؤسساتیاً، وهي لم تنته عند شكل قاطع من التوزیع الحاسم للمهام والأدوار. كما أن هذا التعریف یساعد علَى نقل الجدل من نطاق المفهوم النظري القابل للتعویم الأیدیولوجي إلى دائرة الواقع المحدد الذي یمكن حصره كمیا والتعاطي معه بحثیاً وعلمیاً.