اختار النهضویون العرب أحد مفردین للتعبیر عن الحاجة للتعایش مع الآخر المختلف عقیدةً أو قومیةً أو ثقافة: التحمُّل والتساهل. ثم ساد في الربع الأول من القرن العشرین مصطلح "التسامح" للتعبیر عن تقبُّل الاختلاف. وفي كلّ الأحوال؛ فإنّ الإشكالیة نفسها جرى التنبُّه إلیها ضمن حقبة التواصُل مع الغرب الأوروبي. وهي بذلك مأخوذةٌ عن ذاك الغرب، لیس بمعنى الاستیراد، كما یرید أصحابُ رؤیة الأصالة الإقناعَ منذ عقود. بل ما أعنیه بأنها مأخوذة، أنّ المشكلات التي ظهرت وتبلورت في الاجتماع البشري والسیاسي حوالي أواسط القرن التاسع عشر، حاول الإصلاحیون والمجدّدون الإفادةَ في معالجتها من تجربة أو تجارب الغرب خلال عصور نهوضه وتقدمه. ومن ضمن مشكلات الغرب منذ القرن السابع عشر، الصراعات الناجمة عن الاختلاف الدیني، والصراعات الناجمة عن التبلور القومي والوطني. وأخیراً النزوع الإنساني في التعامُل مع الحضارات والثقافات الأخرى غیر الغربیة. والنوع الأخیر من "التسامح" إذا صحَّ التعبیر من نتاجات القرن العشرین وإن تكن بدایاتُهُ قبل ذلك. والهدفُ من وراء هذه المقالة، القیام باستطلاعٍ موجَزٍ للتجربة التاریخیة العربیة الإسلامیة في هذا الشأن، قبل الأزمنة الحدیثة. والواقع أنّ رؤى التسامح" أو الاعتراف بالاختلاف تكادُ تنحصر في ثلاث