يعود مفهوم الأمة بقوة في ظل مسلسل الثورات العربية الراهنة باحث له عن موقع جديد في خارطة سياسية وثقافية تشهد نقض وإبرام لم يسبق لهما مثيل منذ أكثر من نصف قرن. وليس المقصود بهذا القول أن هذا المفهوم كان غائبة عن التداول في العقود الماضية، كلا؛ لقد كان حاضرة باستمرار في الخطابات السائدة؛ لكن حضوره كان رخوا، يعبر عن نوايا أكثر من تعبيره عن إستراتيجيات، ومن باب أولى أنه لم يكن يعبر عن مرجعية واقعية أو حالة تعيشها الشعوب وتشعر بها في حياتها اليومية قبل ذلك، وفي عصر الإمبراطورية العثمانية، كان مفهوم الأمة يعبر عن واقع متماد بحدود تلك الإمبراطورية وبالولاء لسلطانها. وعلى عكس ما يظن البعض، كان هذا المفهوم سياسية ودينية في آن واحد؛ لأنه كان يستوعب النظام المركب الذي طبع تلك الإمبراطورية وجعلها متعددة الأديان والأعراق، وفي الآن ذاته إمبراطورية إسلامية شتية، فكان دافع البعض للولاء إليها دينية، ودافع البعض الآخر سلطانية ومصلحية يرتبط بما وفرته الإمبراطورية أيام عزها من امتيازات واسعة لغير المسلمين المقيمين فيها، قبل أن تنعكس أزمتها على واقع تلك الأقليات وتتغير العلاقة بين المركز والأطراف، ويترتب على ذلك تحول في مفهوم الأمة التي بات مصطبغة بصبغة دينية أكثر قوة.