لم یذهب الرحالة العرب إلى العالم الغریب، بما فیه أوربا، إلا و في ذهنهم وتخیّلهم، صورة عامة عن الآخر، وعن العالم، مرتبطة بطریقة حمیمة بمرجعیتهم الثقافیة: العربیة الإسلامیة، التي حددت لهم معاییرهم القیمیة، یستندون علیها لإصدار أحكامهم على هذا الآخر، والإطار المعرفي الصادر عن خلاصة وحدود معرفتهم للعالم، بأقالیمه، وأماكنه ومقاصدهم، ،« أغراضهم » المختلفة، یضعون هذا الآخر في سیاقها، كما أنها حددت المشروطة بالظروف التاریخیة السیاسیة، وعلاقات التدافع والغلبة، حیث وجَّهت إلى هذا الجانب، أو ذاك من حیاة ذلك الآخر، لا بقصد التعرف علیه فحسب، « إدراكهم » بل لمعرفة الكیفیة الناجعة للتعامل معه.. فأثر ذلك على اختیارهم للمشاهد، والموضوعات التي اعتبروها أجدر بالعنایة لهم، ولقرائهم، فركزوا مرة على الجانب السیاسي، والعسكري، وبالتالي على مصادر القوة والغلبة، ومرة أخرى على الوصف الإثنوغرافي لحیاة هذه الجماعة أو تلك، فعرضوا لنا عادات هذه الشعوب، ومناحي تفكیرها، وأسالیب العیش عندها، أو على سلوكها الاجتماعي والفردي، أو على حیاتهم الدینیة، والثقافیة، دون أن ینسوا إطلاق أحكام القیمة على كل هذه الحیاة، وركزوا أحیاناً على الغریب، والمدهش والعجیب، في هذه البلدان، والمجال المحبب والمكروه، وما أثار عندهم الإعجاب، والدهشة أو التأفف والصد. فأخضعوا، أحیاناً، ثقافة الغیر لمقولتي (التزیین أو التقبیح)، وحكموا على سلوكیات أصحاب هذه الثقافة بما فیها من معتقدات، وتقالید وعادات، على ضوء ما اختزنوه في وجدانهم وعقولهم من أحكام وتصویبات مستقاة من ثقافتهم نفسها. فكان الرحالة العربي ، آنذاك، ممثلاً لحضارة مزدهرة غایة الازدهار، وكان عنده جزئیة هامة في تفكیره، وانعكس « المفاضلة » الخارجي، وآخر داخلي، وشكّلت « آخر ذلك على كتابته، وضمناً على نظرته إلى ثقافة الغیر